يقول نفاة الحكمة والتعليل كل لام تعليل في القرآن فهي لام عاقبة. فلم يثبتوا لام التعليل في القرآن.
وهذا الكلام لا يختص بالمتقدمين منهم فقط؛ بل حتى المعاصرون منهم قالوا ذلك أيضاً.
وقد وردت لام العاقبة في القرآن -لكن في مواضع قليلة- كما في قوله تبارك وتعالى: ((فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا))[القصص:8] وإذا ما نظرنا إلى الفرق بينهما فهمنا هذه الآية، وفهمنا قوله تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))[الذاريات:56]؛ والفرق واضح؛ فالله تعالى خلقنا بالذات حقاً وفعلاً لكي نعبده، أما آل فرعون فلم يلتقطوه حقاً وفعلاً ليكون عدواً، إنما التقطوه ليكون لهم قرة عين، لكن الذي حصل أن العاقبة كانت بخلاف ذلك، هذا هو الفرق بين لام العاقبة وبين لام التعليل.
أما هم فيقولون في قوله تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))[الذاريات:56]: معنى (ليعبدون): لتكون العاقبة أن يعبدوني؛ أي: لم يرد الله ذلك، ولم يكن له غرض في ذلك ولا حكمة.
فنقول:
أولاً: هذا ينافي الشرع، وينافي أصل الدين؛ لأن الله سبحانه وتعالى بين ذلك، وقال الرسل أنهم ما بعثوا مبشرين ومنذرين إلا ليعبد الله وحده، وفهمت أممهم ذلك منهم، قال تعالى: (( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا))[الأعراف:70]، فالرسل قالوا ذلك، وأممهم فهمت ذلك منهم.
ثانياً: هذا مخالف للعقل، فإن الذي يتأمل المعنى على اعتبار أن اللام للعاقبة -كما يقولون- يجد أن مقتضاه أن الجن والإنس كلهم يعبدون الله، والواقع خلاف ذلك، فمنهم من يعبده، ومنهم من يشرك به ويستكبر عن عبادته، فلو أنها لام عاقبة، أي: لتكون العاقبة هي العبادة؛ لكانت العبادة هي العاقبة، لكنها لم تكن كذلك، وهذا بخلافها في قوله تعالى: ((لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا))[القصص:8]؛ فقد كان عدواً وحزناً فعلاً، فليس الأمر إذاً كما يقول نفاة التعليل؛ لا من جهة الأدلة ولا من جهة العقل أيضاً.